محمد الرياني
لم يعد تستهويه أشعةُ الشروق كما كان يفعل، يغلق على نفسه غرفة قديمة بلا تهوية أو إضاءة، يقرأ في كتب قديمة قد نزعت أغلفتها، وأخرى قد طمست بعض حروفها، يعجبه أن يشمّ رائحة الغبار على الرغم من نتوء أضلعه وضيق صدره، يسعل وحيدًا دون منقذ يبخُّ في أنفه بعض الأنسام ليستقر صدره الذي يهتز في الظلمة ، عندما تعود أنفاسه إلى طبيعتها يقرأ عن ألف ليلة وليلة، يفتح كتابًا قرأه في عهد الصبا، يغازل صورًا وهمية على الجدران العتيقة، يقترب المساء فيبدأ بفتح الباب على مراحل حتى لايرى الضياء، تتجه الشمس نحو الغروب سرعان ماينفتح الباب كاملًا، يشعر بفرحة عارمة والظلام على مقربة من الحضور، ينظر إلى السماء فيرى بعض السحب القليلة التي لاتحمل في بطنها مطرًا أو رذاذا، يتامل الطيور البيضاء وهي ترفرف للوداع بعد يوم شاق، يجلس على التراب وعيناه الضعيفتان متسمرتان تتابعان لحظةَ وقوع الشمس في بحر الغروب، تسكن الحياة فتدبُّ في عروقه الضعيفة الحياة، يتمتم بعبارات كان يحفظها في الصغر، يردد أشعارًا عن الصباح وعن الشوق والشروق والعصافير التي تخطُّ على الأرض جُملًا لاتفهمها، يمرُّ ليلهُ سريعًا وهو يخاف أن تشرق الشمس ليتقوقع في غرفته بين الأوراق القديمة والغبار الذي سكن بين السطور، جاءت الشمس هذه المرة دافئة فأيقظت فيه روح الماضي، تنهد تنهيدة فاتنة، رمى من على رأسه عصابته التي مرّ عليه زمن دون أن يخلعها، ترك الباب مفتوحًا، لأول مرة منذ زمن زارته العصافير الصغيرة ودخل معها الشعاع من فتحة الباب، داهمته فكرةُ أن يزيل الغبار من بطون الكتب، أخرجها واحدًا بعد الآخر، بعض الحروف التي غطاها التراب استعادت بعض وضوحها، لايزال للظل امتداد قد يطول في نهار طويل، ترك الباب مفتوحًا كي يستقبل المزيد من العصافير، استقرت الشمس فوق الغرفة ولايزال ضوءها ينفذ إلى داخلها، أعاد الكتب إلى أماكنها، انتظر الغروب حتى يأتي، لم يذهب كعادته لرؤية السحاب القليل وبعض الأجنحة الهاربة من التعب ، بات عند الغرفة المفتوحة ينتظر النهار، عندما أشرقت الشمس هبطت العصافير عند قدميه الممدتين بلا حراك ، حضر الليل فاصطفت الطيور البيضاء على حافة الحقل تنوح على سميرها.