محمد الرياني محمد الرياني
اشتاقت لأكل رؤوس السمك، تعجّب من طلبها الغريب، قالت إنها لاتشتهي السمك المجمّد الذي لديها ، ذهبَ إلى سوق السمك وقد تلثّم حتى لايتعرض للحرج من السؤال عن الرؤوس وسط زحمة المشترين، الغطاءُ الذي غطى به وجهه أنقذه من رائحة المكان الذي سيبقى فيه فترة طويلة يجمع الرؤوس، وقف عند أول بائع فلم يجد سوى بعض الأنواع الصغيرة التي لاتؤكل رؤوسها، تركه وانتقل إلى آخر فوجد سمكًا معلقًا أصفر اللون، نظر إلى أسفله فرآه برأس يمتلأ لحمًاوعظمًا، سأل البائع عن سعر الرأس منفردًا، اندهش البائع وظنه لايملك نقودًا وأفهمه بأن سعر هذا النوع زهيد ومع هذا خذ الرأس بلا مقابل، وضعه له في كيس بني اللون لم يسعه وبقي جزءٌ منه يتدلى من القرطاس، قال في نفسه : هذا لايكفي لهذه التي دفعها جنونها ليدفعه كي يتنقل بين طاولات الحواتين لتحقيق رغبتها، وقف عند بائع آخر فرأى مجموعة من الرؤوس معزولة، سأل البائع إن كان مستغنيًا عنها، ردّ عليه بسرعة هذه تركها أصحابها، يبدو أنهم لايحبونها مع القلي أو مشوية، جمعها له ووضعها في كيس وغادر، تمتم بأنّ معه أربعة أو خمسة رؤوس وهذه تكفي؛ ربما أطعمُ معها وسنكتفي اليوم بالتلذذ برؤوس السمك، خرج من حلقة البيع وأماط اللثام بعد وقت طويل من الاختناق، وضعها بعيدًا عنه في مؤخرة السيارة بسبب نفاذ الرائحة ، ظل يردد في الطريق حكاية هذه المرأة مع عظام رأس السمك، وصل إليها جزعًا من تسوق لم يفعله من قبل ، رأت الرؤوس فشهقت من الفرحة، أرادت أن تطعمها نيئة، قال لها : على مهلك! أخذتها ثم غسلتها ووضعتها في الفرن، قال لها: لاتطبخي شيئًا غيرها من السمك، اكتفي بها وبعض الإدام والخبز، انبعثت رائحتها بعد استوائها، وضعتها على الطاولة وجلست تأكل فجلس مقابلًا لها، وضعت يدها أمامه ونهرته، ربتت بيدها على بطنها وهي تبتسم في وجهه وعيناها قد امتلأت بالدموع، قالت له : كأنني يا… أحمل في أحشائي جنينًا يحبُّ السمك.